المديرمحمدالشربينى مدير الادارة
الجنس : عدد المساهمات : 945 تاريخ الميلاد : 08/11/1985 تاريخ التسجيل : 02/01/2010 العمر : 39 الموقع : www.elhkoma.ahlamontada.com العمل/الترفيه : مهندس برمجيات المزاج : تمام
| موضوع: في ثبوت الهلال الثلاثاء فبراير 23, 2010 7:26 pm | |
| في ثبوت الهلال*
العلاّمة المرجع السيد محمد حسين فضل الله
تمهيد
الصوم من الفرائض المهمّة التي أوجبها اللّه تعالى على المكلّفين لما لها من الآثار الجليلة والفوائد العظيمة على الفرد والمجتمع، ومن أجل أهميتها البالغة فإنَّ اللّه تعالى قد كتب الصيام وفرضه على سائر الأمم قبل الإسلام مثلما فرضه على هذه الأمّة المسلمة. وقد قال اللّه تعالى فيه: ] يا أيُّها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلّكم تتقون[ . وقد ورد في الحديث الشريف أنَّه "جُنة من النّار" وأنَّه "زكاة الأبدان" وأنَّ نوم الصائم عبادة ونَفَسه وصمته تسبيح، وعمله مقبول، ودعاءه مستجاب، وأنَّ "خلوق فمه عند اللّه تعالى أطيب من رائحة المسك" وغير ذلك من الأحاديث.
والصوم في اللغة: هو مطلق الكفّ والامتناع عن الشيء، وفي الشرع: هو الإمساك والامتناع عن أمور معينة في وقت محدّد.
وللصوم أسباب كثيرة أمر بها الشرع وحثّ عليها، وأفضل أنواعه صوم شهر رمضان المبارك.
وفي هذا الباب سوف نبين أحكامه مفصّلة في مباحث. ولما كان زمان الصوم ملحوظاً فيه الأشهر العربية القمرية، فإننا سوف نبدأ بالحديث عن ثبوت الهلال:
في ثبوت الهلال:
كيف يتولد الهلال:
يتمّ القمر دورة حول الأرض في مدّة تستغرق تسعة وعشرين يوماً واثنتي عشرة ساعة وأربعة وأربعين دقيقة، فإذا أخذنا بعين الاعتبار تغييرات تحصل لهذا التقدير تصل إلى حوالي ثلاث عشرة ساعة، فإنَّ ذلك يعني أن الشهر القمري يُرى مرة بعد مضي ثلاثين يوماً منه ومرة بعد مضي تسعة وعشرين يوماً منه، كما هو متعارف عند النّاس، ولا يكون ثمانية وعشرين يوماً، وهو من الناحية العلمية صحيح، وله آثار شرعية تظهر خلال البحث.
وفي مرحلة من دورة القمر يغيب قرصه تماماً في الظلّ ما بين الشمس والأرض، فتحجبانه عن الناظرين من جهتيه، وهو الموقع الذي يسمى بـ(المحاق)، فإذا خرج من دائرة الظلّ هذه وانعكس ضوء الشمس على ذلك الجزء الذي ظهر سمي هذا الخروج "ولادة" حيث تتحقّق بهذه الولادة بداية الشهر القمري الطبيعي الذي يأخذ ذلك الشكل المعروف بـ (الهلال).
وظهور الهلال في أول الشهر يكون عند غروب الشمس، ويُرَى فوق الأفق الغربي بقليل، ولا يلبث غير قليل حتى يختفي تحت ذلك الأفق، ولهذا لا يكون واضح الظهور، وكثيراً ما تصعب رؤيته، بل قد لا يمكن أن يرى بحال من الأحوال لسبب أو لآخر، كما إذا تمت مواجهة ذلك الجزء المضيء من القمر للأرض ثُمَّ غاب واختفى تحت الأفق قبل غروب الشمس، فإنه لا تتيسر حينئذ رؤيته ما دامت الشمس موجودة، أو تواجد بعد الغروب ولكن كانت مدّة مكثه بعد غروب الشمس قصيرة جداً بحيث يتعذر تمييزه من بين ضوء الشمس الغاربة القريبة منه، أو كان هذا الجزء المنير المواجه للأرض من القمر (الهلال) ضئيلاً جداً لقرب عهده بالمحاق إلى درجة لا يمكن رؤيته بالعين الاعتيادية للإنسان، ففي كلّ هذه الحالات تكون الدورة الطبيعية للشهر القمري قد بدأت على الرغم من أن الهلال لا يمكن رؤيته.
ولكن الشهر القمري الشرعي في هذه الحالات التي لا يمكن فيها رؤية الهلال لا يبدأ تبعاً للشهر القمري الطبيعي، بل يتوقف ابتداء الشهر القمري الشرعي على أمرين: أحدهما: خروج القمر من المحاق وابتداؤه بالتحرّك بعد أن يصبح بين الأرض والشمس، وهذا يعني مواجهة جزء من نصفه المضيء للأرض. والآخر: أن يكون هذا الجزء مما يمكن رؤيته بالعين الاعتيادية المجرّدة أو بالوسائل المقربة وإن لم يُر فعلاً، وعليه فإذا أثبت العلم بوسائله التقنية الدقيقة إمكان رؤيته، لولا وجود بعض الأمور الطارئة المانعة من الرؤية، فإنه يمكن الحكم بالهلال حينئذ.
وعلى هذا الأساس قد يتأخر الشهر القمري الشرعي عن الشهر القمري الطبيعي، فيبدأ هذا ليلة السبت مثلاً ولا يبدأ ذاك إلاَّ ليلة الأحد، وذلك في كلّ حالة خرج فيها القمر من المحاق، ولكن لم يكن بعد قد مرّ الوقت الكافي الذي يكون فيه الهلال قد اختزن الكمية من الضوء التي تساعد على الرؤية.
وبتعبير آخر: إنَّ وجود حاجب يحول دون الرؤية، كالغيم والضباب، لا يضرّ بالمقياس، لأنَّ المقياس إمكان الرؤية في حالة عدم وجود حاجب من هذا القبيل. ولذا فإنه يصح في هذه الحالة وفي غيرها الاعتماد على قول الفلكي الخبير الثقة بخروج القمر من المحاق إلى الدرجة التي يمكن رؤيته فيها بالعين المجرّدة، ويكفي ذلك في ثبوت الهلال الشرعي حتى لو لم يقدر أحد على رؤيته، لوجود الموانع أو لعدم استهلال النّاس.
أفق واحد أم آفاق متعدّدة:
المراد بالأفق هو الموقع المتقارب للبلدان المتعدّدة الواقعة على خطّ واحد، بحيث يكون لها غروب وشروق واحد متقارب جداً، ولما كانت الأرض كروية والبلاد منتشرة عليها فإنَّ البلدان تختلف في آفاقها باختلاف مواقعها.
ولما كان ظهور الهلال بعد ولادته مرتبطاً بغروب الشمس فإنَّ اختلاف الغروب في البلدان قد يمنع من رؤية الهلال في بعضها، فهل يكون الشهر القمري في كلّ منطقة من الأرض مرتبطاً بإمكان الرؤية فيها بالذات، فيكون لكلّ أفق شهره القمري الخاص، فيبدأ في هذا الأفق الغربي في ليلة متقدّمة وفي أفق شرقي في ليلة متأخرة، أو أنَّ الشهر القمري له بداية واحدة بالنسبة إلى الجميع، فإذا رُؤي الهلال في جزء من العالم كفى ذلك للآخرين؟
وبكلمة أخرى: هل حلول الشهر القمري الشرعي أمرٌ نسبي يختلف فيه أفق عن أفق، فيكون من قبيل طلوع الشمس، فكما أنَّ الشمس قد تطلع في سماء بغداد ولا تطلع في سماء ميتشغن فيكون الطلوع بالنسبة إلى بغداد ثابتاً والطلوع بالنسبة إلى ميتشغن غير متحقّق، أو أنَّ بداية الشهر القمري الشرعي أمر مطلق وظاهرة كونية مستقلة لا يمكن أن تختلف باختلاف البلاد؟
وفي مقام الجواب نقول: إننا كنّا قد ذكرنا أنَّ الشهر القمري الشرعي تتوقف بدايته على مجموع عاملين: أحدهما كوني وهو الخروج من المحاق، والآخر أن يكون الجزء المنير المواجه للأرض ممكن الرؤية، وإمكان الرؤية يمكن أن نأخذه كأمر نسبي يتأثر باختلاف المواقع في الأرض، ويمكن أن نأخذه كأمر مطلق محدّد لا يتأثر بذلك، وذلك لأننا إذا قصدنا بإمكان الرؤية إمكان رؤية الإنسان في هذا الجزء من الأرض وفي ذاك كان أمراً نسبياً، وترتب على ذلك أنَّ الشهر القمري الشرعي يبدأ بالنسبة إلى كلّ جزء من الأرض إذا كانت رؤية هلاله ممكنة في ذلك الجزء من الأرض، وإذا قصدنا بإمكان الرؤية إمكان الرؤية ولو في نقطة واحدة من العالم، فمهما رؤي في نقطة بدأ الشهر الشرعي بالنسبة إلى كلّ النقاط، كان أمراً مطلقاً لا يختلف باختلاف المواقع على الأرض.
وبذلك يتضح أنَّ الشهر القمري لما كان مرتبطاً ـ إضافة إلى الخروج من المحاق ـ بإمكان الرؤية، وكانت الرؤية ممكنة أحياناً في بعض المواضع دون بعض، كان من المعقول أن تكون بداية الشهر القمري الشرعي نسبية، وحينئذ لا بُدَّ من الرجوع إلى الشريعة التي ربطت شهرها القمري الشرعي بإمكان الرؤية لنرى أنها هل ربطت الشهر في كلّ نقطة بإمكان الرؤية في تلك المنطقة أو ربطت الشهر في كلّ المناطق بإمكان الرؤية في أي موضع كان؟
والأقرب على أساس ما نفهمه من الأدلة الشرعية هو الثاني، وعليه فإذا رؤي الهلال في بلد ثبت الشهر في سائر البلاد التي تشترك معه في جزء من الليل.
كيف يثبت أول الشهر؟
اتضح أنَّ بداية الشهر القمري الشرعي تتوقف على أمرين: خروج القمر من المحاق، وكون الهلال ممكن الرؤية وإن لم ير فعلاً، فإذا اقترن هذان الأمران بالرؤية الفعلية كان ذلك خيراً على خير.
وإثبات ذلك يتم بأحد الأمور التالية:
الأول: الرؤية المباشرة بالعين الاعتيادية المجرّدة فعلاً، لأنَّ رؤية الهلال فعلاً تثبت للرائي أنَّ القمر قد خرج من المحاق وأنَّ بالإمكان رؤيته، وإلاَّ لما رآه فعلاً.
الثاني: شهادة الآخرين برؤيتهم، فإذا لم يكن الشخص قد رأى الهلال مباشرة ولكن شهد الآخرون برؤيتهم له، كفاه ذلك إذا توفر في هذه الشهادة أحد الأمرين التاليين:
أولاً: كثرة العدد وتنوّع الشهود: بنحو يحصل التواتر أو الشياع المفيد للعلم أو الاطمئنان، فإذا كثر العدد ولم يحصل العلم أو الاطمئنان من أجل منشأ معقول لم يثبت الهلال، فالكثرة العددية عامل مساعد على حصول اليقين ولكنَّها ليست كلّ شيء في الحساب، بل ينبغي للفَطن أن يدخل في الحساب كلّ ما يلقي ضوءاً على مدى صدق الشهود أو كذبهم أو خطأهم، ونذكر الأمثلة التالية على سبيل التوضيح:
1 ـ إذا أحصي أربعون شاهداً بالهلال من بلدة واحدة فقد يكون تواجدهم جميعاً في بلدة واحدة يعزز شهادتهم، بينما إذا أحصي أربعون شاهداً من أربعين بلدة استهل أبناؤها فشهد واحد من كلّ بلدة لم يكن لهم نفس تلك الدرجة من الإثبات، والسبب في ذلك أنَّ تواجد أربعين شخصاً على خطأ في مجموعة المستهلين من بلدة واحدة أمر بعيد نسبياً، بينما تواجد شخص واحد على خطأ في مجموعة المستهلين من كلّ بلد أقرب احتمالاً.
2 ـ وفي نفس الحالة السابقة قد يصبح الأمر على العكس، وذلك فيما إذا كانت تلك البلدة التي شهد من أهاليها أربعون شخصاً واقعة تحت تأثير ظروف عاطفية غير موجودة في المدن الأخرى.
3 ـ وكما ينبغي أن يُلحظ الشهود في جانب الإثبات فإنه ينبغي أن يُلحظ نوع وعدد المستهلين الذين استهلوا وعجزوا عن رؤية الهلال كنقطة في جانب عدم الإثبات. فكلّما كان عدد هؤلاء الذين عجزوا عن الرؤية كبيراً جداً ومتواجداً في آفاق نقية صالحة للرؤية وقريبة من مواضع شهادات الشهود شكل ذلك عاملاً سلبياً يُدخَل في الحساب.
4 ـ ونوعية الشهود لها أثر كبير إيجاباً وسلباً على تقرير النتيجة، ففرق بين أربعين شاهداً يُعرف مسبقاً أنهم لا يتورعون عن الكذب أو مجهولو الحال، وبين أربعين شاهداً يُعلم بوثاقتهم.
5 ـ قد تتحد مجموعة من الشهادات في المكان، بأن يقف عدد من المستهلين في مكان مشرف على الأفق، فيرى أحدهم الهلال ثُمَّ يهدي الآخر إلى موضعه فيراه ثُمَّ يهتدي الثالث إليه وهكذا، وفي مثل ذلك تتعزز هذه الشهادات لأنَّ وقوعها كلّها فريسة خطأ واحد في نقطة معينة من الأفق بعيد جداً، إذ إنَّ قدرة المشاهد الأول على إراءة ما رآه تعزز الثقة بشهادته.
6 ـ التطابق العفوي في النقاط التفصيلية بين الشهود، بأن يشهد عدد من الأشخاص المتفرقين من بلدة واحدة، ويعطي كلّ واحد منهم نقاطاً تطابق النقاط التي يعطيها الآخر، من قبيل أن يتفقوا على زمان رؤية الهلال وزمان غروبه عن أعينهم، فإنَّ ذلك عامل مساعد على حصول اليقين.
7 ـ ويدخل في الحساب أيضاً التنبؤ العلمي المسبق بوقت خروج القمر من المحاق، فإنه إذا حدّد وقتاً وادعى الشهود الرؤية قبل ذلك الوقت كان التحديد العلمي المسبق عاملاً سلبياً يضعف من تلك الشهادات، فإنَّ احتمال الخطأ في حسابات النبوءة العلمية، وإن كان موجوداً، ولكنَّه بعيد جداً في مقابل احتمال الخطأ في مجموع تلك الشهادات، أو على الأقل لا يسمح بسرعة حصول اليقين بصواب الشهود في شهادتهم.
ثانياً: تواجد البينة في الشهود: والبينة على الهلال تكتمل إذا توفر ما يلي:
1 ـ أن يشهد رجلان عدلان برؤية الهلال، فلا تكفي شهادة الرّجل الواحد، ولا شهادة النساء وإن كنَّ عادلات، إلاَّ أن توجب الاطمئنان فنأخذ بها من جهة حجية الاطمئنان من أي سبب حصل ما دام الاطمئنان حجة عقلائية معتبرة.
2 ـ أن لا يقع اختلاف بين الشاهدين في شهادتيهما على نحو يعني أنَّ ما يفترض أحد الشاهدين أنه رآه هو غير ما رآه الآخر.
3 ـ أن لا تتجمع قرائن قوية تدل على كذب البينة أو وقوعها في خطأ، ومن هذه القرائن أن ينفرد اثنان بالشهادة من بين جمع كبير من المستهلّين لم يستطيعوا أن يروه مع اتجاههم جميعاً إلى نفس النقطة التي اتجه إليها الشاهدان في الأفق وتقاربهم في القدرة البصرية ونقاء الأفق وصلاحيته العامة للرؤية، وهذا معنى قولهم عليهم السَّلام: "إذا رآه واحد رآه مائة".
هذا ولا يشترط في اعتبار البينة قيامها عند الحاكم الشرعي، بل يجوز التعويل عليها لكلّ من علم بها.
الثالث: مضيّ ثلاثين يوماً من هلال الشهر السابق، لأنَّ الشهر القمري الشرعي لا يكون أكثر من ثلاثين يوماً، فإذا مضى ثلاثون يوماً ولم يُر الهلال الجديد اعتبر الهلال موجوداً، ويبدأ بذلك شهر قمري جديد.
الرابع: حكم الحاكم الشرعي، فإنه نافذ وواجب الاتباع حتى على من لم يطّلع بصورة مباشرة على وجاهة الأدلة التي استند إليها في حكمه، وذلك ضمن التفصيل التالي:
أ ـ أن لا تكون لدى المكلّف أي فكرة عن صواب الحكم الذي أصدره الحاكم الشرعي وخطأه، وفي هذه الحالة يجب عليه الاتباع.
ب ـ أن تكون لدى المكلّف فكرة تبعث في نفسه الظنّ بأنَّ الحاكم على خطأ في موقفه على الرغم من اجتهاده وعدالته، وفي هذه الحالة يجب عليه الاتباع أيضاً.
ج ـ أن تكون لدى المكلّف فكرة تأكد على أساسها من عدم كفاية الأدلة التي استند إليها الحاكم الشرعي، كما إذا كان قد استند إلى شهود وثق بعدالتهم ولكنَّ المكلّف يعرف أنهم ليسوا عدولاً، فهو يرى أنَّ شهاداتهم غير كافية ما داموا غير عدول ولكنَّه لا يعلم بأنهم قد كذبوا في شهاداتهم هذه بالذات، وفي هذه الحالة لا اعتبار لحكم الحاكم ولا يجب عليه اتباع حكمه.
د ـ أن يعلم المكلّف بأنَّ الشهر لم يبدأ فعلاً وأنَّ الحاكم الشرعي وقع فريسة خطأ فأثبت الشهر قبل وقته المحدود، وفي هذه الحالة ـ أيضاً ـ لا يجب الاتباع بل يعمل المكلّف على أساس علمه.
ونريد بحكم الحاكم الشرعي اتخاذه قراراً بثبوت الشهر أو أمره للمسلمين بالعمل على هذا الأساس، وأمّا إذا حصلت لديه قناعة بثبوت الشهر ولكن لم يتخذ قراراً بذلك ولم يُصدر أمراً للمسلمين بتحديد موقفهم العملي على هذا الأساس، فلا تكون هذه القناعة ملزمة إلاَّ لمن اقتنع على أساسها وحصل لديه الاطمئنان الشخصي بسببها.
وفي حالة إصدار الحاكم الشرعي للحكم يجب اتباعه حتى على غير مقلديه ممن يؤمن بتوفر شروط الحاكم الشرعي فيه.
الخامس: كلّ جهد علمي يؤدي إلى اليقين أو الاطمئنان بأنَّ القمر قد خرج من المحاق وأنَّ الهلال موجود في الأفق بصورة تمكن من رؤيته، فلا يكفي لإثبات الشهر القمري الشرعي أن يؤكد العلم بوسائله الحديثة خروج القمر من المحاق ما لم يؤكد إلى جانب ذلك إمكان رؤية الهلال وتحصلُ للإنسان القناعة بذلك على مستوى اليقين أو الاطمئنان.
م ـ 936: هناك حالات تلاحظ في الهلال عندما يرى لأول مرة كثيراً ما يتخذها النّاس قرينة لإثبات أنه في ليلته الثانية وأنَّ الشهر القمري كان قد بدأ في الليلة السابقة على الرغم من عدم رؤيته، من قبيل أن يكون الهلال على شكل دائرة وهو ما يسمى بتَطوُّق الهلال، أو سماكة الجزء المنير منه وسعته، أو استمرار ظهوره قرابة ساعة من الزمان وعدم غيابه إلاَّ بعد الشفق مثلاً، إذ يُقال حينئذ: إنَّ الهلال لو كان جديد الولادة ولم يكن ابن ليلة سابقة لما كان بهذه الكيفية أو بهذه المدّة.
ولكن الصحيح أنَّ هذه الحالات لا يمكن اتّخاذها دليلاً لإثبات بداية الشهر في الليلة السابقة، لأنَّ أقصى ما يمكن أن تثبته هو أنَّ القمر كان قد خرج من المحاق قبل فترة طويلة ولذلك أصبح بهذه الكيفية أو استمر بهذه المدّة، ولكنَّه لا يدلِّل على أنه كان بالإمكان رؤيته في غروب الليلة السابقة، فلو كان القمر مثلاً قد خرج من المحاق قبل اثنتي عشرة ساعة من الغروب الذي رؤي فيه لأول مرة فسوف يبدو أوضح وأشمل نوراً وأطول مدّة مما لو كان قد خرج من المحاق قبل دقائق من الغروب، على الرغم من أنه ليس ابن الليلة السابقة في كلتا الحالتين.
وعلى العموم، لا يجوز الاعتماد على مثل هذه الظنون في إثبات هلال شهر رمضان أو هلال شوال، ومنها حسابات المنجمين الذين لا يعوّل على أقوالهم في هذا المجال عادة، نعم إذا حصل الاطمئنان للمكلّف بالهلال من خلال بعض تلك العلامات جاز الأخذ بها من أجل ذلك.
أحكام مترتبة:
م ـ 937: إذا ثبت هلال شهر رمضان وجب الصيام وإذا ثبت هلال شوال وجب الإفطار، وإذا لم يثبت هلال شهر رمضان بأحد الطرق السابقة، بأن حلت ليلة الثلاثين من شعبان ولم يمكن إثبات هلال شهر رمضان لم يجب صيام النهار التالي، بل لا يسوّغ صيامه بنية أنه من رمضان ما دام شهر رمضان غير ثابت شرعاً، فله أن يفطر في ذلك النهار وله أن يصومه بنية أنه من شعبان استحباباً أو بنية أنه قضاء لصيام واجب في عهدته، أمّا إذا نوى أنه إن كان من شعبان فأصومه على هذا الأساس وإن كان من رمضان فأصومه على أنه من رمضان، فيعقد النية على هذا النحو من التأرجح فإنه يصح منه الصوم أيضاً، ومتى صام على هذه الأوجه التي ذكرناها ثُمَّ انكشف له بعد ذلك أنَّ اليوم الذي صامه كان من رمضان أجزأه وكفاه.
م ـ 938: إذا أصبح الإنسان يوم الشك وهو غير ناوٍ للصيام، فإذا تبين خلال النهار أنه من شهر رمضان، ولم يكن قد تناول المفطر، فإن كان قبل الظهر، وجب عليه تجديد النية والاستمرار في الصوم على الأحوط، وإن كان بعد الظهر لم يصح منه تجديد النية، لكنَّه يبقى ممسكاً إلى الغروب، ثُمَّ يقضيه فيما بعد.
م ـ 939: إذا حلت ليلة الثلاثين من شهر رمضان ولم يثبت هلال شوال بطريقة شرعية وجب صيام النهار التالي، وإذا صامه وانكشف له بعذ ذلك أنَّه كان من شوال وأنه يوم العيد الذي يحرم صيامه فلا حرج عليه في صيامه ما دام قد صامه وهو لا يعلم بدخول شهر شوال.
وإذا حصل لدى المكلّف ما يشبه القناعة بأنَّ غداً أول شوال، ولكنَّه لا يسمح لنفسه بأن يفطره لعدم وجود طريق شرعي واضح، كما يعزّ عليه أن يصومه خوفاً من أن يكون يوم العيد، فبإمكانه أن يحتاط ويخرج من هذه الحيرة بالسفر الشرعي، فإن سافر ليلاً واستمر في سفره طوال النهار، أو عاد إلى وطنه صباحاً بعدما تناول المفطر، فقد تخلص، وإن أجل سفره إلى النهار وجب عليه أن ينوي الصيام ويمسك إلى حين خروجه من بلده وتجاوزه لحدّ الترخص، وهو في هذا الفرض الثاني وإن اضطر لصيام بعض يوم العيد ولكنَّه بذلك يكون قد تخلص من الحرام الذي هو صيام تمام يوم العيد لا بعضه. | |
|