المديرمحمدالشربينى مدير الادارة
الجنس : عدد المساهمات : 945 تاريخ الميلاد : 08/11/1985 تاريخ التسجيل : 02/01/2010 العمر : 39 الموقع : www.elhkoma.ahlamontada.com العمل/الترفيه : مهندس برمجيات المزاج : تمام
| موضوع: عبادة الله فوق الزمان والمكان الثلاثاء فبراير 23, 2010 7:06 pm | |
| عبادة الله فوق الزمان والمكان
يقول تعالى في كتابه الكريم: {يا عبادِيَ الذينَ آمَنُوا إنَّ أرْضِي واسِعَةٌ فإيَّايَ فاعْبُدونِ} (العنكبوت:56). يخاطب الله سبحانه في هذه الآية المؤمنين، بأنّ عليهم أن يعبدوا الله في كل مكان يعيشون فيه، فالأرض كلها مسجد، ولا يختلف في ذلك مكان عن مكان، بمعنى أن الله أعطى الإنسان الأرض كلها ليتعبّد له فيها، وليمارس فيها عبادته له، فعليه أن يعبد الله في وطنه، وأن يعبده في مغتربه وفي دار هجرته، وأن لا يتلمّس الأعذار التي يخلقها البعض عندما يهاجرون من دار الإسلام إلى دار الكفر، بأنهم يخافون عبادة الله هناك، ويخشون انتقاد الناس لهم، بحجّة أنّ عبادة الله على الطريقة الإسلامية غير مألوفة لهذه الشعوب، فيشعرون بالخوف والضعف أمام ذلك.
والواقع أنهم عندما يلتزمون مسؤوليتهم في عبادة الله، فإنّ الناس الآخرين يحترمونهم، لأنهم يعتبرون أن الإنسان الذي يلتزم دينه لا يمكن أن يخون الآخرين، ولا يمكن له الإساءة إلى الآخرين، لأنّ الدين الذي يلتزمه الإنسان من خلال مراقبته لله، يمنعه من أن يضر أحداً أو يُسيء إلى أحد.
ارتفاع الحدود الزمانية والمكانية عن العبادة
وأذكر في هذا المجال قصة حدثت في أوائل القرن الماضي (القرن العشرين)، عندما كان الناس في لبنان، ولا سيما في جبل عامل أو في البقاع، يهاجرون إلى أمريكا بعد الحرب العالمية الأولى، حيث كانت الهجرة نحو (ديترويت في ولاية ميتشغن)، بسبب وجود مصانع "فورد" للسيارات هناك، حيث تتوفر فرص العمل في تلك المصانع، وكان هناك الكثير من المسلمين يعملون في تلك المصانع. وحسب نظام العمل، كان هناك وقت يقتطع للراحة وتناول طعام الغداء، وكان المراقب الذي يتولّى مراجعة العمّال، يلاحظ أنّ هناك عاملاً لمجرد أن يحين وقت الفرصة والاستراحة، يذهب إلى الصلاة ولا يرتاح، وكان هذا المراقب يراقبه من دون سائر العمال، فأرسل في طلبه قائلاً له: هذه الفرصة تُعطى لترتاح فيها، فلِمَ لا ترتاح؟ فأجابه: وهل أنا مقصرٌ في عملي؟ فقال المراقب: لا، ولكن ماذا تفعل في هذه الاستراحة؟ فأجابه الرجل: نحن المسلمون لدينا صلاة، وأنا أذهب لأصلي، فعندئذٍ قال له المراقب: من الآن وصاعداً، تأخذ وقت الاستراحة قبل العمال بنصف ساعة، ثم تذهب للصلاة وتناول الطعام والاستراحة، فأقبل الآخرون يعترضون عليه، ويسألونه لماذا لم يفعل معهم الأمر نفسه على أساس أنهم مسلمون، فقال لهم المراقب، لأنّكم لستم بمسلمين، بل هذا الرجل هو المسلم، فهو يصلي ولكن أنتم لا تصلون.
وأيضاً عندما حلّ شهر رمضان، لاحظ المراقب أن هذا الرجل لا يأكل من الصباح حتى المساء، فسأله عن سبب امتناعه عن الأكل، فأجابه الرجل بأننا نحن المسلمون، فرض الله سبحانه وتعالى علينا الصيام في هذا الشهر، فقال أنت أيضاً تأخذ وقتك عند الظهر وتذهب للاستراحة، وكذلك فعل الآخرون كالمرة الأولى معترضين على القرار، وكان الجواب كالسابق بأنكم لستم مثله.
فالمقصود أنّ هذا الشخص الملتزم المتدين، عندما رأى مراقب العمال أنه ملتزم بدينه، احترمه ووسع عليه {ومن يتّق الله يجعل له مخرجاً} (الطلاق:2). فالله يقول للإنسان، أنت لست مجبراً على أداء الصلاة في المسجد، بل يمكنك أن تصلِّي في مكان عملك. فهناك الكثيرون من العمّال الذين يدَّعون أنهم لا يقدرون على الصلاة، أو أنّهم يؤجّلون صلاتهم إلى أوقات أخرى. ولكن في الواقع، بإمكان الإنسان أن يؤدي صلاته في وقتها وفي أي مكان دون أن يؤجِّلها، ولا يجوز للإنسان أن يعمل عملاً يضطر فيه إلى ترك صلاته.
{يا عبادِيَ الّذِينَ آمَنُوا إنَّ أرْضِي واسعةٌ فإيَّايَ فاعْبُدون} (العنكبوت:56)، وعبادة الله لا تقتصر على الصلاة أو الصوم فقط، بل بالاجتناب عن ارتكاب كل ما حرّمه الله. بعض الناس يقول: أنا أخجل من أن أرفض الخمر مثلاً إذا قدَّمه لي بعض الناس، فأنا مضطر لأن أشرب أوآكل لحم خنـزير أو... إن عبادة الله تعني الالتزام بفعل كلّ ما أمر الله به، والاجتناب عن كلّ ما نهى عنه.
الموت ونتيجة الأعمال
{كلُّ نفسٍ ذائِقَةُ المَوْتِ ثُمَّ إلَيْنَا تُرْجَعُون} (العنكبوت:57). هذه حقيقة للناس كلهم، توضح بأنه ليس من أحد من الناس سوف يخلَّد في هذه الدنيا. وهذا ما خاطب الله تعالى به النبي(ص): {ومَا جعَلْنا لِبَشَرٍ مِنْ قبْلِكَ الخُلْدَ أفئِن متّ فهم الخالدون} (الأنبياء:34)، {إنّك ميّت وإنّهم ميّتون} (الزّمر:30). فهذه حقيقة يريد الله للإنسان أن يُدركها، لأنه يراها كل يوم، ويعرفها في أجداده وأصحابه وفي كل الناس، فالموت ليس نهاية المطاف، والموت هو نهاية مرحلة وبداية مرحلة، مثلما يقول ذلك الشاعر:
ولو أنّا إذا متنـا تركنـا لكـان الموت راحـة كل حي
أي لو أننا بعد الموت تُركنا وانتهى الأمر، لكان الموت راحة، ولكنّا إذا متنا بُعثنا، ونُسأل بعده عن كل شيء، {اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيباً} (الإسراء:14)، ففي يوم القيامة، يقف الناس جميعاً أمام الله للحساب {يوم تأتي كل نفسٍ تجادل عن نفسها} (النحل:111)، هذه هي الحقيقة التي لا بد من أن تبقى حاضرة دائماً في ذهن الإنسان.
إنّ الناس عادةً يغفلون عن الموت، وعندما يموت لهم أحد، يتأثّرون قليلاً، فيقومون ببعض الأعمال ثم سرعان ما ينطلقون إلى الدنيا وكأن لا شيء حدث. ومما يُروى، أن النبي سليمان(ع) الذي أعطاه الله ملكاً لا ينبغي لأحدٍ من بعده، كان ملك الموت يزوره في أحد الأيام، وقد جاءه بهيئة مختلفة، فأحس سليمان بالريبة، فقال له جئتني زائراً أم قابضاً؟ فقال له: هذه المرة جئتك قابضاً، قال: لماذا لم ترسل لي حتى أستعد؟ فقال له ملك الموت: سبق وأرسلت لك مراراً، فقال سليمان: ليس عندي خبر، قال ملك الموت: أين أبوك؟ قال مات، فقال له: هل أرسلنا له برقية لنعلمه؟ أين أمك؟ أين عمك؟... وراح يعدِّد له، ثم قال له: هؤلاء رسلي إليك.
إنّ الله يرسل لنا الرَّسائل، إنما على الإنسان أن يعرف سنّة الله في الكون، وسنّته أنّ {كلّ نفسٍ ذائقة الموت ثم إلينا ترجعون} (العنكبوت:57)، لذلك على كل إنسان أن يستعدّ للموت، {لقد كنت في غفلةٍ من هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد} (ق:22)، كنت مغمّضاً وغافلاً، ولكن عندما تُبعث، يصبح بصرك حديداً، أي حادّاً.
{والذين آمنوا وعملوا الصالحات لنبؤئنّهم من الجنّة غرفاً}، وهي غير الغرف التي يستعملها أهل الدنيا، إنما غرفٌ {تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها}، ليس بعدها موت، {نِعْمَ أجر العاملين} (العنكبوت:58)، ذلك الأجر الذي لا أجر مثله، لأنه ينطلق من إرادة الله وكرمه، {إنما يوفّى الصابرون أجرهم بغير حساب} (الزّمر:10)، الذين يصبرون على طاعة الله، ويصبّرون أنفسهم عن معصية الله، ويصبرون على بلاء الدنيا، فهؤلاء يعطيهم الله غرفاً في الجنة، ويعطيهم أجرهم على ما عملوا، {الذين صبروا وعلى ربّهم يتوكَّلون} (العنكبوت:59)، وهم الذين يواجهون مشاكل الحياة ومصاعبها وآلامها، ويقولون لله إنّ ما علينا نقوم به وعليك نتوكّل، وما هو واجب علينا نفعله والباقي على الله، أنت نعم الوكيل. والحمد لله رب العالمين. | |
|