المديرمحمدالشربينى مدير الادارة
الجنس : عدد المساهمات : 945 تاريخ الميلاد : 08/11/1985 تاريخ التسجيل : 02/01/2010 العمر : 39 الموقع : www.elhkoma.ahlamontada.com العمل/الترفيه : مهندس برمجيات المزاج : تمام
| موضوع: الرسول(ص) في طاقاته الإنسانية الثلاثاء فبراير 23, 2010 6:50 pm | |
| الرسول(ص) في طاقاته الإنسانية
كنا نتحدّث عن صفات رسول الله(ص) التي ذكرها القرآن الكريم، والتي تعطي أصدق صورة عن رسول الله(ص) بالرغم مما جاء في كتب السيرة، لأن ميزة القرآن أنه كلام الله الذي يتحدث به عن رسوله، وهو الذي يؤكد في كل آياته أصالة هذا الرسول في أخلاقياته وملكاته الروحية، وفي كل ما عاشه وما تحرك به وما واجهه من مشاكل وعقبات وتحديات في حالتي الحرب والسلم.
ولذلك، فإن من يريد أن يطلع على حياة النبي محمد(ص) من الداخل والخارج، عليه أن يقرأ القرآن بتدبر وبعمق، ولا سيما أن الله وضع للمسلمين المنهج في الاقتداء برسول الله في قوله تعالى: {قد كان لكم في رسول الله أسوةٌ حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً} [الأحزاب:21]، وفي آية أخرى يقول تعالى: {لقد جاءكم رسولٌ من أنفسكم} [التوبة:128]. فالله تعالى يخاطب الناس الذين عاشوا مع الرسول والذين آمنوا به وتحركوا في مسيرته، بأن هذا الرسول ليس من عالم آخر، بل هو من داخل عالمكم، إنه ولد في البيئة التي ولدتم فيها، وبالطريقة التي خرجتم بها إلى هذا العالم، ولم يكن هناك ما يميزه من جهة الأب والأم، لقد كان أبوه إنساناً عادياً كبقية الآباء، وكانت أمه أماً بسيطة كبقية الأمهات، كما أنّه ولد يتيماً كبقية الأيتام، وعاش كل النتائج السلبية لليتم والحرمان، فحرم عاطفة الأب والأم، كأولئك الذين يحرمون الحضن الذي يحتضنهم، واليد التي تمسح على رؤوسهم وتحنو عليهم وترعاهم.
وهكذا عاش الفقر والجوع تماماً كما عاشه الآخرون من بني هاشم أو من قريش أو من مكة، فالنبي لم يولد في عائلة ثرية، بل كان فقيراً يُشار إليه كدلالة على البؤس الذي عاشه بأنه يتيم أبي طالب، لأن أبا طالب هو الذي رعاه بعد أن فقد أباه وهو حمل وفقد أمه وهو رضيع.
هذه الصفة بأنه يتيم أبي طالب، والتي تعني أن أبا طالب كان يرعاه وينفق عليه ويغذيه وينمّيه، تجعله كأي إنسان لا يملك موقعاً للقوة في حياته العادية، وهو من هذا المجتمع كله، فهو يتأثر بما يتأثر به المجتمع، فيحزن ويفرح ويجوع ويشبع ويخاف ويأمن...
لقد عاش تجربة الإنسان في كل مراحل إنسانيته، وقد أكد الله تعالى هذا الجانب عندما كرّر في أكثر من آية: {قل إنما أنا بشرٌ مثلكم} [الكهف:110]، فلم يقدم نفسه كملك أو كشخص يملك ما في السموات وما في الأرض، أو كشخص يعلم الغيب {ولا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب ولا أقول إني ملك} [هود:31] {إن أتبع إلا ما يوحى إليّ}، بل قدّم نفسه وقدّمه الله تعالى إلى الناس على أنه بشر كباقي أفراد هذا المجتمع، ولكنه بشر اختصّه الله برسالته، لأن عقله مفتوح على الرسالة، ولأن قلبه مفتوح على الرسالة، ولأن كلّ حياته في كل القيم الروحية والأخلاقية والاجتماعية مفتوحة على الرسالة، كما قال عنه علي(ع) الذي كان تلميذه منذ طفولته الأولى: "وقد وكل الله تعالى به عظيماً من أعظم ملائكته يلقي إليه في كل يوم خلقاً من أخلاقه".
فالله تعالى أعدّ هذا البشر ليعيش الرسالة قبل أن يبعثه رسولاً في أخلاقية الرسالة وفي كل إيحاءاتها، فالله علّمه، وهذا ما قاله رسول الله(ص): "أدّبني ربي فأحسن تأديبي"، أدبه منذ البداية، وأدّبه أيضاً في خطِّ الرسالة وفي وحي الرسالة كلها، ولذلك قال الله تعالى: {وقال الذين كفروا لولا نزّل عليه القرآن جملة واحدة كذلك لنثبّت به فؤادك} [الفرقان:32]، فالله تعالى أنزل عليه القرآن ليثبت عقله وقلبه وخطه، لأن الله تعالى قد يثبّت بعض أنبيائه ورسله بما يغرسه في شخصيتهم بواسطة الإلهام، وربما يثبتهم بما يلقي إليهم من وحي.
فالنبي(ص) جاء من قلب هذا المجتمع ومن قلب هذه الأمة، وقد أكّد القرآن هذه المسألة، حتى يعطي الفكرة بأن هذا النبي يتحسس كل ما لدى الناس، وهو جزء من هذا النسيج الاجتماعي، لأنه يمثِّل الجزء الحيوي منه، تماماً كما هو القلب، فالأعضاء متنوعة ومتعددة، ولكن بعض الأعضاء في الجسم الإنساني تمثل ميزة لا تملكها الأعضاء الأخرى، كالقلب في نبضاته التي تمنح حركة الحياة والدماغ وما إلى ذلك {لقد جاءكم رسولٌ من أنفسكم عزيزٌ عليه ما عنتّم} [التوبة:128]، وهذا يمثل الجانب الشعوري الإنساني الذي يتجاوز الذات الإنسانية في همومها وآلامها ومشاكلها إلى الناس كلهم.
فالنبي يراقب المجتمع من حوله، ويرصد كلّ المتاعب التي تحيط به، وكل ما يعيشه من مشقّات كنتيجة لهذه المتاعب، لأن الإنسان عندما يعيش التعب، سواء كان نفسياً أو جسدياً أو اقتصادياً أو اجتماعياً، فإن من الطبيعي جداً أن يشعر بالمشقّة وبالجهد الصعب.
ولذلك، فإن الله تعالى يقدّم لنا رسوله بأنه الرسول الذي يرصد كل متاعب الناس، ولا سيما المؤمنين منهم، ويتألّم لما يتألمون منه، ويشقّ عليه ما يشقُّ عليهم، من خلال هذه النبضات الإنسانية المنفتحة على الناس كلهم، لأن الله تعالى أرسله رحمةً للعالمين، فهو يمثل الرحمة المنفتحة على الكون كله وعلى الإنسان كله، وهذه ما نستدل عليه من الآية التي تقول: {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة} [الأحزاب:21]. لهذا علينا أن نفهم أن على كل قيادة، سواء كانت قيادة بالمعنى الديني الرسمي، كالقيادة الدينية، أو كانت قيادة اجتماعية أو سياسية أو اقتصادية، أن تتحسّس آلام الناس، ولا يجوز لأية قيادة أن تعيش لذاتها، بحيث تفكر في شؤونها وتعتبر الناس مجرد مركز للوصول إلى ملذاتها وشهواتها، أو تعتبر الناس بقرة حلوباً تحلبها من أجل منافعها، بل إن موقع القيادة يعني أن تختصر الأمة في موقعك، بحيث إذا فكرت تفكر بالأمة، وإذا شعرت تشعر بالأمة، وإذا تحركت تتحرك من خلال الأمة.
وعلى هذا الأساس يكون فرحك وحزنك من خلال فرح الأمّة وحزنها؛ أن تشعر أن متاعب الأمة هي متاعبك، وأن مشقات الأمة هي مشقاتك، هكذا أراد الله لنا أن نفهم معنى القيادة ومعنى أن يكون الإنسان قائداً، لأن القائد لا بد أن يجمع الناس، وهذا ما نقرأه في النص النبوي الشريف الذي يخاطب كل مسلم، والذي يعتبر مسألة الانفتاح الشعوري على الأمة كلها في آلامها ومشاكلها وكل قضاياها، جزءاً من الإسلام، بحيث يعيش الأمة في كل اهتماماتها وفي كل ما يطرأ عليها من تحديات ومشاكل وآلام وجهد، عندها يكون المسلم الذي تحدث عنه الرسول(ص) بقوله: "من أصبح ولم يهتم بأمور المسلمين فليس بمسلم"، أما إذا قال كما قال ذلك الشاعر المهجري:
ما علينا إن قضى الشعب جميعاً أفلسـنا فـي أمـان
المهمّ أن أكون أنا وعائلتي بخير ولتخرب الدنيا، بعض الناس يفكر بهذه الطريقة، أنا لا الآخر، الله لم يكلفني بالناس {أنطعم مَن لو يشاء الله أطعمه} [يس:47]، أي أنا لست مكلفاً بأن أطعم الناس، فالله هو الذي خلق الناس وهو مسؤول عن إطعامهم ولست أنا، فهو يعتبر نفسه غير مسؤول عن الآخرين في حلّ أزماتهم، وهذا يمثل جفافاً في العاطفة والإحساس والإنسانية، لذا يقول النبي(ص): "من أصبح ـ لأن الإنسان في كل صباح يستعرض أوضاع العالم من حوله عبر وسائل الإعلام، وفي أيامنا هذه، نشاهد الكثير من الآلام والنكبات والمشاكل التي تصيب الشعوب، كالحال في فلسطين والعراق وأفغانستان وغيرها من الدول، سواء كبرت هذه المشاكل أو صغرت، ليفكر كيف يستطيع أن يشارك في الجانب الشعوري للمسألة، ولم يهتم في المشاركة في إيجاد الحل الواقعي إذا كان من أصحاب الرأي أو من أصحاب الحركة في الواقع، إذا اعتبر نفسه غير مسؤول عمّا يحصل ـ من أصبح ولم يهتم بأمور المسلمين فليس بملسم"، وإن كان يقول أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإن كان يمارس الأعمال العبادية كلها، فكل هذا لا يجعل منه إنسان الإسلام إن لم يشعر بنفسه بأنه جزء من هذه الأمة، ومن الطبيعي أن الجزء لا بد أن يتكامل مع الكل: "مثل المؤمنين في توادّهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعت له سائر الأعضاء بالحمى والسهر".
أن نعيش هذه الروحية، لأن الله تعالى حملنا مسؤولية المسلمين كلٌ بحسب إمكاناته: {إنما المؤمنون أخوة فأصلحوا بين أخويكم} [الحجرات:10]، فإذا اختلف المسلمون فيما بينهم، فتحملوا مسؤولية الدخول في إصلاح أمرهم وذات بينهم، ولا تتركوا مسؤولية الإصلاح بحجة أن أحدكم ليس قائداً عسكرياً أو سياسياً أو دينياً، "كلكم راعٍ وكل راعٍ مسؤول عن رعيّته".
فالإسلام، أيها الأحبة، هو ما يملكه الإنسان من إسلام العقل، وإسلام القلب، وإسلام اللسان وإسلام الحركة، فالإسلام يقول لك كن تجسيداً للإسلام، أن تكون إسلاماً يتحرك، بحيث إذا رآك الناس رأوا فيك إسلاماً متجسداً، وهذا ليس سهلاً، ولكن على الإنسان أن يعمل على أساس أن ينمي هذه الطاقات، لنحقق للإسلام أهدافه، ولنفتح له أفقاً واسعاً، لكي نكون كما ورد في الآية الكريمة: {كنتم خير أمة أخرجت للناس} [آل عمران:110]، والحمد لله رب العالمين. | |
|